الله في المسيحية واحد أم ثلاثة؟

الصفحة الرئيسية | سؤال | الله في المسيحية واحد أم ثلاثة؟

يؤمن المسيحيون بالله الواحد الأحد الذي لا إله غيره ولا شريك له. إذاً، إن فكرة التوحيد لم تعد محط نقاش من جهة إيماننا بالله الواحد، لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل الثالوث المقدس يناقض أو يتعارض  مع وحدانية الله؟

حتى يتضح لنا الجواب عن هذا السؤال ينبغي أن نتعرف أو نعرف أو نفهم ما هي وحدانية الله، هل هي وحدانية جامدة مطلقة أم هي وحدانية جامعة؟ هل وحدانية الله الجامعة ضرورية؟ ما هي الأدلة عليها؟.

للإجابة عن هذه الاسئلة مجتمعة من المهم أن نعرف ما يعلنه لنا الله عن نفسه في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد:

الله في العهد القديم:

مما لا شك فيه أن العهد القديم يعلن لنا مؤكِّداً أن الله واحد لا شريك له، بل لا يوجد إله حقيقي غيره. لكن أيضاً، يتضح لنا من العهد القديم أن الله تكلم إلى أناس أحياناً بالصوت وأحياناً أخرى بالصورة والصوت. أيضاً يُذكر اسم الله بصيغة الجمع مثل “إلوهيم”، وأيضاً تتضح وحدانية الله في الثالوث المقدس من خلال “الضمائر في اللغة” العائدة إلى الله (تكوين 1: 26)، (تكوين 11: 7)، (إشعياء 6: 8). أيضاً يتجلى الثالوث الأقدس من خلال عمل الروح القدس في العهد القديم (تكوين 1: 2)، (قضاة 6: 43). أما بشأن تجليات الله بالصوت وبالصورة فهي تظهر من خلال الحقائق التالية:


* الله يتكلم لآدم بصوت بشري، (تكوين 3: 8).
* الله تحدث إلى موسى بصوت بشري (مراجعة أسفار الشريعة).
* الله يُسمع الشعب صوته دون أن يروه، (تثنية4: 12-13). السؤال: هل عرف الشعب أن المتكلم إليهم هو الله أم لا؟ طبعاً عرفوا بل وآمنوا، وهذا يعني أنه لم يكن يصعب عليهم فهم قدرة الله بمخاطبتهم بصوت بشري.

* الله ظهر بصورة مرئية ل:
– إبراهيم: يخبرنا سفر التكوين أن إبراهيم كان واقفاً على باب خيمته حين قابله ثلاثة رجال جرى بينهم حديثٌ معينٌ، وفي سياق الحديث تبيّن لإبراهيم أن أحدهم هو الرب نفسه، والاثنين الآخرين هما ملاكان، لقد أطلق إبراهيم على الرجل الثالث اسم “ديّان الأرض” (راجع تكوين 18). أيضاً عندما أمسك إبراهيم السكين ليذبح ابنه إسحق ناداه ملاك الرب، فدعا إبراهيم ذلك المكان ب “يهوه يرأه” أي الرب يُرى (تكوين22: 11-14).

– يعقوب: لقد بنى يعقوب مذبحاً للرب ودعا المكان “إيل بيت إيل” لأن هناك ظهر له الله (تك 35: 7).

– موسى: عندما كان موسى يرعى، ظهر له الرب وسط عليقة محترقة وتحدث إليه من وسط النار، فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ (خروج 3: 1 – 6).

– منوح: وهو والد شمشون، رأى إنساناً كان قد تقابل مع زوجته ووعدها بابنٍ (شمشون) فقال له منوح: «مَا اسْمُكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ كَلاَمُكَ نُكْرِمُكَ؟» فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَن اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟». يا ترى من هو صاحب الاسم العجيب غير الله له كل المجد؟

– من هذه النصوص يتبين لنا أن الله ظهر بهيئة بشرية لأكثر من شخص، وقد اعتبر لاهوتيون أن الأقنوم الثاني أو الكلمة أو الله الابن، هو هذه الشخصية المنظورة في العهد القديم.

– الله في العهد الجديد:
 كما في العهد القديم أيضا يؤكد لنا الوحي في العهد الجديد أن الله واحد لا شريك له، المسيح أكد وحدانيته وكذلك فعل الرسل. لكن كيف يُعلن لنا العهد الجديد الثالوث المقدس أي الله الواحد الآب والابن والروح القدس؟ يتجلى الثالوث في العهد الجديد من خلال:
* الصفات الإلهية: هي نفسها للآب والابن. مكتوب عن الآب أنه المخلص (1 تيموثاوس 2: 3 وتيطس 1: 3) وعن الابن هو المخلص (تيطس 3: 6 و1 بطرس 1: 1).
* الأعمال الإلهية: الابن يعمل أعمال الآب والروح القدس يعمل أعمال الابن والآب. مثلاً الآب يُحيي والابن يُحيي والروح القدس يُحيي (يوحنا 5: 21 و 2 كورنثوس 3: 5 – 6).

* إعلانات إلهية تجلت في:
 – المعمودية (متّى 3: 16 و17، الآب يتكلم من السماء والابن يُعمَّد في نهر الأردن والروح القدس ينزل بهيئة حمامة). أيضاً وصية المسيح لتلاميذه في المأمورية العظمى: عمدوهم “باسم” الآب والابن والروح القدس (متّى 28: 19).
 – البركة الرسولية: (2 كورنثوس 13: 14).
 – الحديث عن الآب كونه الله (رومية 1: 7).
 – الحديث عن الابن كونه الله (عبرانيين 1: 8  وعبرانيين1: 10-12)
 – الحديث عن الروح القدس كونه الله (أعمال الرسل 5: 3 و4).

 – قد يسأل أحد: “كيف يمكن للطبيعة الإلهية أن تتّحد بالطبيعة البشرية؟ وأليس هذا تقليل من شأن الله؟.


– لا ننفي أن كيفية اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية أمر يفوق العقل والإدراك، كما يفوق العقل والإدراك العلم بكيفية وجود الله. ولكن بالرغم من هذه الصعوبة الفائقة لا يعني أن هذه الكيفية مستحيلة على الله. حين نُرجِع الأمر إلى قدرة الله الفائقة سيسهل علينا تقبّلها إيماناً أولاً وعقلاً ثانياً. هذا الاتحاد العظيم بين الطبيعتين لم يُخِلّ أبداً بمقام الله وعزته، لأن الله لا يتغير ولا يتبدل كما يقول لنا الإنجيل المقدس، فهو ثابت في صفاته ومقامه مهما أتى من أعمال، أما عن كيفية هذا الاتحاد فيجيب أحد اللاهوتيين قائلاً:
“اتخذ الابن لنفسه ناسوتاً (طبيعة بشرية) خالياً من الخطيئة خلواً تاماً. إنه مع اتحاد اللاهوت بالناسوت (الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية) قد احتفظ كل منهما بخصائصه، أي “لم يتحول اللاهوت إلى ناسوت و”لم يتحول الناسوت إلى لاهوت” (أي لم تتحول الطبيعة الإلهية إلى طبيعة بشرية ولا الطبيعة البشرية إلى طبيعة إلهية)، لأن هذا الاتحاد ليس امتزاج الواحد بالآخر بل هو وجودهما معاً في ذات واحدة بوحدة كاملة دون اختلاط أو امتزاج أو تغير. إنّ السيد المسيح له خصائص الناس وخصائص اللاهوت معاً، ومن هذا نفهم أن هذا الاتحاد لم يترتب عليه تأثر اللاهوت (الطبيعة الإلهية) بأي مؤثر، فاللاهوت بقي لاهوتاً والناسوت بقي ناسوتاً.


أخي القارئ، أعلن الله لنا عن نفسه تدريجياً وبطرق مختلفة، وكلها تؤكد أن الله واحد لا إله غيره، وأن وحدانيته جامعة. هذا هو الله الذي نؤمن به، مَن أعلن لنا ذاته على مر التاريخ بطرق كثيرة حتى الإعلان الأخير عن نفسه في شخص ربنا يسوع المسيح. هذا ما أعلنه الكتاب المقدس وهذا ما آمن به المؤمنون بالمسيح على مر التاريخ، وقد تم توثيق هذا الإيمان أو هذه العقيدة في قانون يبدأ بعبارة: “نؤمن بإله واحد ورب واحد”. وهذا يؤكد أننا كمسيحيين نؤمن بالله الواحد الأحد الذي لا شريك له.

هل تريد اكتشاف المزيد؟